القائمة الرئيسية

الصفحات

القواعد العشر أهم القواعد في تربية الأبناء | القاعدة الثامنة (التربية تعاطف)

القاعدة الثامنة (التربية تعاطف)


 القواعد العشر أهم القواعد في تربية الأبناء | القاعدة الثامنة (التربية تعاطف)



ذكرت في قاعدة سابقة: أن التربية تفاعل؛ أي أخذ وعطاء، وتأثير وتأثر، وتفهيم وتفهم، وشد وجذب... وحتى يحدث كل ذلك؛ فإنه يحتاج إلى مادة (كيميائية) تكون مسؤولة عن توفير القابلية الروحية والنفسية لدى الآباء ولدى الأبناء، وهذه المادة هي التعاطف، والحب، والتشجيع، والمكافأة، والاهتمام، والحنو، والارتباط الروحي، والقلق على مستقبل الأسرة عامة، والصغار خاصة، ولا يخفى أن موقف الآباء والأمهات من الأولاد هو موقف الرحمة والشفقة، لا شك في ذلك، لكن لديهم مواقف أخرى تبدو للصغار مجافية للمودة الخالصة، وذلك أثناء التأديب والأمر والنهي والحرمان من بعض المرفّهات، والتحذير من مصاحبة بعض الفتيان، وما شابه ذلك... ونحن نحتاج إلى نقطة تعادل، وإن شئت أن تقول: نحتاج إلى شيء نستعيد من خلاله دفء العلاقة مع الأبناء، ونرسخ من خلاله في نفوسهم مفهومًا مهمًا: هو أن جميع ما نقوم به أثناء تربيتهم يصب بصورة من الصور في مصلحتهم، وهذا الشيء لن يكون سوى العطف والتعاطف، والتشجيع والاهتمام، والرحمة والشفقة.

وهذه بعض الصور والحالات التي تتجلى فيها هذه المعاني وذلك عبر الحروف الصغيرة الآتية:

المشاركة في المشاعر

 القواعد العشر أهم القواعد في تربية الأبناء | القاعدة الثامنة (التربية تعاطف)

كلما كانت سن الطفل أصغر كانت الأشياء التي يخاف منها أكثر، وذلك لأن العقل البشري لا يمتلك (خانة) للأشياء الخطرة والمخيفة، وأخرى للأشياء الآمنة، ومن هنا؛ فإن تعاطف الآباء مع أولادهم يعدّ موردًا مهمًّا لشعورهم بالأمان والاطمئنان، وتأتي مشاركة الأطفال في مشاعرهم في قمة أشكال التعاطف، وتتطلب المشاركة في العواطف الاهتمام بمشاعر الأبناء وأحاسيسهم ومحاولة معرفتها أولًا، فالطفل يفرح لأشياء كثيرة لا تلفت انتباه الكبار ولا تُطربهم، كما أنه يغضب وينفعل وينزعج لأشياء -أيضًا- كثيرة، لا يرى الكبار فيها ما يستحق الانزعاج، وهنا يأتي دور المشاركة في المشاعر.

طفل يفقد لعبة رخيصة الثمن، فيبكي بكاءً مُرًّا لأسباب لا تكون دائمًا واضحة، فهو قد يبكي لظنه أنه سيعاقب على تضييعها، وقد يبكي لظنه أنها غالية الثمن، ومن ثم؛ فإنه أضاع شيئًا نفيسًا، وقد يبكي لظنه أنه لن يُعوَّض عنها...

ولهذا فإن المطلوب من الآباء محاولة فهم حقيقة المشاعر التي تتحرك في نفس الطفل، والتجاوب معها، ومراعاتها بقطع النظر عن نظرتهم لمنطقية تلك المشاعر وواقعيتها، هذا طفل عاد من المدرسة وهو يحمل سجل درجاته الذي لا يدعو إلى الافتخار، إن الولد قد نجح بصعوبة، وهو يشعر بالكثير من خيبة الأمل؛ لأنه كان طيلة مدة الاختبارات يخبر أهله بأن اختباراته ممتازة، وسيكون من الثلاثة الأوائل، في وضعية كهذه لن يكون من المفيد توبيخ الطفل والإعراض عنه وتركه يعايش أحزانه، بل علينا أن نتفهم شعوره بالعناء والإحباط، ونحاول تخفيف ذلك الشعور: نحن ندرك أنك قد بذلت جهدك، وأن الامتحان كان أصعب مما توقعت، ولا يجب أن تفكر كثيرًا في هذا الأمر ، وفي الامتحان القادم ستكون -إن شاء الله تعالى- أفضل.. إن مشاركة الطفل في مشاعره، والتعاطف معه من خلال إظهار الفرحة لفرحه، وإظهار الحزن لحزنه، سوف تشجعه على أن يفضي بمشاعره إلينا مما يزيد في بصيرتنا، ويحسّن في ممارستنا التربوية، ونحن جميعًا نسمع من الفتيان والفتيات الكثير من الشكوى من نقص تعاطف الأهل معهم، ومن عدم اهتمامهم بمشاعرهم، ومع أن المراهقين ميالون للمبالغة، إلا أن شكواهم ليست من غير أساس، وهي جديرة بالأخذ بعين الاعتبار.

نعم..، ولكن

 القواعد العشر أهم القواعد في تربية الأبناء | القاعدة الثامنة (التربية تعاطف)

يتطلب (التعاطف) من المربي الإكثار من كلمة (نعم)، وجعلها هي الأساس في الإجابة على طلبات الطفل، والحقيقة أن المسألة تحتاج إلى نوع من (الإخراج)، إذ إننا لا نستطيع الموافقة على كل طلبات الأطفال، وفي الوقت نفسه لا نريد أن نترك لديهم انطباعًا بأننا غير مستعدين لإسعادهم وتحقيق أمنياتهم، ويكمن الحل أن نقول في معظم الأحيان: «نعم..، ولكن ليس الآن»، «نعم..، ولكن عندما تكبر»، «نعم..، ولكن بشرط أن تحفظ جزءًا من القرآن»، «نعم..، ولكن حين تدخر ما يكفي من المال».

في بعض الأحيان نقول: (نعم)، ونجد حاجة إلى الإرشاد والتوجيه، وفي بعض الأحيان نسارع إلى مساندة الطفل وتشجيعه على الإقدام فيما يطلب المساعدة فيه، المهم دائمًا هو شعور الطفل أننا مدركون لمشاعره وأولوياته، ومستعدون لفعل شيء من أجله.

التعاطف موقف وسلوك

 القواعد العشر أهم القواعد في تربية الأبناء | القاعدة الثامنة (التربية تعاطف)

لا شك في أن الأطفال سيظلون في حاجة لسماع الكلمات العذبة والرقيقة والحانية، لكن الكلام وحده لا يستطيع بمفرده الاستمرار في توليد الرضا والأفكار الإيجابية لدى الأطفال، بل لا بد من شيء عملي وملموس، ومن هنا فإنه يمكن القول: إن التعاطف في حاجة إلى أن يتجسد في سلوكنا وتعاملنا مع أبنائنا، التعاطف مشاعر جميلة يولّدها الفعل، ويمنحها المصداقية والرسوخ، ولك أن تلمس هذا في قول الله عز وجل : وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ {34} وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت: 34-35].

وهذه بعض الأمثلة العملية التي يتجسد فيها التعاطف:

1- التجاوب مع الطُّرف التي يلقيها الأبناء والضحك لضحكهم، والتفاعل معهم وهم يسردون ذكرياتهم الجميلة في البيت القديم الذي كانت تسكنه الأسرة، وذكريات أبناء جيرانهم الطيبين، والوثوق بالأخبار التي يرويها الصغار ما لم يظهر خلاف ذلك... إن كل هذا يعزز التعاطف مع الصغار على الصعيد الاجتماعي، ويولد لديهم حالة جيدة من الطمأنينة والارتياح.

2- يتجلى التعاطف بين الأبناء والآباء كذلك في أمور قد تكون أقرب إلى الجانب العقلي والفكري والثقافي، وذلك من خلال الاستماع إلى آراء الأبناء وأفكارهم ومقترحاتهم، ورؤاهم المستقبلية، والقيام بمناقشتها معهم، وهذا ليس بالأمر اليسير؛ لأن اعتقاد كثير من الآباء أن أبناءهم يفتقرون إلى النضج والرأي السديد يجعلهم يشعرون بأن الاستماع إلى أفكار أبنائهم... هو نوع من العبث وتضييع الوقت، والأولى من ذلك: القيام بتقديم الخبرة للأبناء، أو انصرافهم لتعلم شيء ينفعهم... وهذه النظرة صحيحة إذا فصلنا الجانب الفكري عن الجانب العاطفي، لكن إذا نظرنا إلى الطفل على أنه كيان واحد لا يقبل التجزئة، فإن الأمر يختلف وذلك لأن استماعنا لأفكار أبنائنا ومقترحاتهم يعني نوعًا من التنازل منَّا في نظرهم، ويعني أننا نهتم بكل شؤونهم، وهذا يزيد في تماسك الأسرة، ويقوّي انتماء الطفل إليها؛ وهذا طبعًا غير الفوائد الجليلة التي يحصل عليها الصغار من خلال حوارهم مع الكبار.

3- هناك بُعد آخر يتجلَّى فيه التعاطف، وهو البعد الروحي والتعبدي، والحقيقة: أن هذا البعد ذو أهمية كبرى؛ لأنه يمس جوهر التربية، وجوهر الحياة الأسرية، كم هو جميل ذلك المنظر الذي كثيرًا ما نراه، حيث يكون الأب ممسكًا بيد ولده وهو متجه إلى المسجد من أجل أداء الصلاة، وكم هو جميل منظر تحلق أفراد الأسرة حول الأب وهم يتلون أمامه شيئًا من القرآن حتى يصحح لهم قراءتهم، وكم هو جميل منظر الأسرة وهي تنشد مع بعضها بعضًا الأناشيد الجميلة وتدعو الله -تعالى- وتسأله من فضله، وكم هو جميل منظرها وهي تستمع إلى تلخيص كتاب أعده أحد الأبناء الناضجين... إن هذه الأنشطة حين تتم برغبة تامة من الأبناء تولّد لديهم الشعور بالامتنان لآبائهم وأمهاتهم الذين أتاحوا لهم المشاركة فيها، حيث صبروا على أخطائهم، وقاموا بتدريبهم وإسعادهم في آن واحد.

المكافأة والتشجيع

 القواعد العشر أهم القواعد في تربية الأبناء | القاعدة الثامنة (التربية تعاطف)

حين نشجع طفلًا على الإقدام على عمل يحبه؛ فإنه ينظر إلى تشجيعنا على أنه تعاطف معه؛ لأننا ساعدناه على تحقيق أمنية من أمانيه، ثم إن التشجيع على عمل من الأعمال يتضمن الاعتراف على نحو خفي بكفاءة الابن واقتداره على النجاح في العمل الذي شجعناه عليه، وفي هذا مؤازرة كبيرة له.

والحقيقة: أن للتشجيع دورًا فاعلًا ومؤثرًا في تمتع الأمم بعدد وافر من الرجال العظماء، ولهذا؛ فإن التشجيع يشكل مقياسًا من مقاييس التحضر، فالمجتمعات كلما تحضّرت أكثر، قدرّت المواهب أكثر، وشجعت أصحابها وقدمت لهم الدعم المادي والمعنوي، والعكس صحيح؛ فالأمم المتخلّفة لا يثير دهشتها شيء، ولا ترى أسرار العظمة في أي شيء عظيم!

وهذه بعض الملاحظات في مسألة التشجيع والمكافأة، ودورهما في توليد التعاطف، ودفع الأبناء في دروب الفلاح والنجاح:

أ- تدل الدراسات والتجارب على أن المكافأة التي نقدمها للطفل ينبغي أن تكون عقب قيامه بالعمل الممدوح مباشرة؛ لأن الطفل يربط في ذهنه آنذاك بين الفعل ومكافأته على نحو سهل، وهذا يؤدي إلى تحفيزه على تكرار العمل حتى يصبح جزءًا من خلقه وسلوكه، ثم إن تأخير المكافأة يرسل للطفل رسالة خاطئة، حيث يمكن له أن يظن أن العمل الجيد الذي قام به غير مهم في نظر أبويه، وتكون الحقيقة غير ذلك، ومن الواضح أن الناس جميعًا صغارًا وكبارًا مفطورون على التشوق إلى قطف ثمار أعمالهم، ومن هنا ورد توجيهه صلى الله عليه وسلم بالنسبة إلى العمال، حيث قال: «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه». [«صحيح الجامع الصغير» (1/240)].

ب- تشير بحوث وإحصاءات عديدة إلى أن المكافآت المعنوية أعظم تأثيرًا في نفس الطفل من المكافآت المادية، وذلك على ما يبدو؛ لأن المكافآت المعنوية أقدر على التعبير عن الرضا والسعادة من المكافآت المادية، وهذا لا يقتصر على الصغار، بل هو شبه عام، ثم إن المكافآت المعنوية مجانية، ولهذا فإننا نستطيع أن نكثر منها، وبهذا ينال الطفل من التشجيع والتحفيز ودلالات رضا الأبوين عليه الكثير الكثير.

المكافآت المعنوية تكون في الابتسامة والتقبيل والمعانقة والربت على الكتف، ومسح الرأس كما تكون في إيحاءات الوجه المعبرة عن الاستحسان والسرور بما يفعل الطفل بالإضافة إلى الاهتمام والإصغاء والثناء والمداعبة.

أما المكافآت المادية؛ فهي تتمثل في إعطاء النقود، وقطع الحلوى، واللعب بالكرة مع أبناء الحي، وزيارة بعض أصدقاء الطفل، والسهر إلى ما بعد الموعد المحدد من أجل مشاهدة شيء، أو اللهو بشيء، أو مسامرة أحد أبناء الضيوف، والقيام برحلة ترفيهية، وما شابه ذلك... وقد قال أحد التربويين: امنح أبناءك الكثير من الحب، والقليل من المال، وذلك لأن حاجتهم إلى الحب كبيرة، وهم يعرفون كيف يدبرون أمرهم مع القليل من المال، كثير من الناس - ولا سيما الموسرين - يفعلون العكس تمامًا، حيث يُغدقون المال على الصغار، لكن لا يمنحونهم أي شكل من أشكال التعاطف والحنان!

ج- يمكن استخدام المكافأة المعنوية والمادية في محاولة إيقاف بعض السلوكيات غير المرغوبة، هذا طفل يتأخر في كتابة واجباته، وأحيانًا لا يكملها، فقالت له أمه: إذا انتهيت من واجباتك قبل الساعة الثامنة كل يوم زدت لك في مصروفك اليومي كذا وكذا، وهذا طفل يضرب أخاه الصغير، فقالت له أمه: إذا كففت عن ذلك أخذتك إلى مدينة الألعاب.. وهكذا، المهم دائمًا أن نحدد السلوك الخاطئ بدقة، وأن نلتزم بالمكافأة التي وعدنا بتقديمها.

د- في بعض الأحيان يشترط الطفل الحصول على مكافأة كي يقوم ببعض الأعمال التي نطلبها منه، وذلك مثل أن يقول: أُحضر كذا من بيت خالتي بشرط أن تعطوني كذا، وآتي في الوقت المحدد بشرط أن أذهب في اليوم التالي إلى صديقي فلان، وأنظّم غرفتي بشرط أن ينظّم أخي غرفته وهكذا... في هذه الحالة لا يكون من الصواب تقديم أي مكافأة للطفل، بل عليه أن يُنجز مهامه دون أي مقابل، وإلا فإن شعوره بالمسؤولية سوف يضعف، كما أن المكافأة تصبح واجبًا على الأبوين، ويصير الطفل في موقف المحاسب لهما، وهذا كله غير جيد.

هـ- من المهم كذلك أن لا نستخدم المكافأة في تعزيز السلوك الخاطئ لدى الطفل من حيث لا نشعر، هذا طفل يبلغ الرابعة من عمره، ويصر على أن ينام مع أبويه في غرفتهما، فأعطته والدته قطعة من الحلوى كي ينام وحده، إن هذا التصرف من الأم يجعل الطفل يربط بين الإصرار على النوم مع والديه، وبين الحصول على الحلوى ولهذا؛ فإنه سيحاول مرات ومرات الإصرار على النوم معهما حتى يحصل على الحلوى.

إن التعاطف والاهتمام والتشجيع وتقديم المكافآت المختلفة من الأمور التي لا يبالي بها كثير من الناس بسبب عدم إدراكهم لأهميتها مع أنها مهمة للغاية على صعيد تماسك الأسرة، وبناء العلاقة الروحية بين الكبار والصغار.

=====================



من كتاب: القواعد العشر "أهم القواعد في تربية الأبناء" أ.د.عبدالكريم بكّار.

لتحميل تطبيق القواعد العشر "أهم القواعد في تربية الأبناء" بشكل كامل على هواتف الاندرويد إضغط هنا: https://goo.gl/GGK2YC

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات