القائمة الرئيسية

الصفحات

القواعد العشر أهم القواعد في تربية الأبناء | القاعدة التاسعة (تفهم أسباب مشكلاتهم)

القاعدة التاسعة (تفهم أسباب مشكلاتهم)

 القواعد العشر أهم القواعد في تربية الأبناء | القاعدة التاسعة (تفهم أسباب مشكلاتهم)



الطفل ذلك المخلوق الضعيف، والعاجز عن فهم نفسه وفهم مشكلاته، وما عليه أن يفعل، وهو يأمل من أبويه دائمًا أن يساعداه على تجاوز مرحلة الطفولة بأمان، وهما يعملان على ذلك بجد وإخلاص وتضحية، لكن النية الصادقة لا تكفي بمفردها للتعامل مع المشكلات، بل لا بد من تفهم طبيعة مشكلات الأبناء، وتفهم أسبابها وجذورها حتى تكون هناك إمكانية لمعالجتها.

ونحن نلاحظ في هذا السياق: أن كثيرًا من الآباء والأمهات يعتقدون أن أبناءهم يجب أن يكونوا عبارة عن نسخ مكررة، فإذا كان الكبير - مثلًا - سويًا وممتازًا؛ فإنهم يستنكرون أي مشكلة قد يعاني منها أي واحد من إخوته، وهذه النظرة ليست صحيحة إطلاقًا؛ فالأشقاء والشقيقات عبارة عن مخطوطات فريدة، ولكل واحد منهم سماته وخصائصه الشخصية ولهذا؛ فإن التفاوت - وليس التماثل - هو الأصل في حياتهم. وبعض الآباء لا ينظرون بعين الاهتمام إلى معاناة أبنائهم؛ لأنهم يعتقدون أن مشكلات الأبناء تنتهي تلقائيًا حين يكبرون، وهذا صحيح فعلًا بالنسبة إلى العديد من المشكلات، لكن هناك مشكلات كثيرة تكون صغيرة حين يكون الأطفال صغارًا وتكبر معهم على نحو مواكب ولهذا؛ فلا بد من معالجتها ومتابعتها في وقت مبكر، المشكل أن معظم الآباء والأمهات لا يملكون من المعرفة ما يمكّنهم من التفريق بين السلوك السويِّ لدى أبنائهم، والسلوك غير السويِّ، وإن من الدراسات ما يفيد أن تحديد الخط الفاصل بين الصحة والمرض هو أصعب في مرحلة الطفولة منه في المراحل اللاحقة، ومن هنا؛ فإني أحث كل من لديه طفل غير طبيعي، أو يعاني من مشكلة عقلية، أو حركية، أو نفسية، أو اجتماعية، أن يثقِّف نفسه، وأن يقرأ ويستمع لنصائح الأطباء والمتخصصين في مشكلة ابنه حتى يتمكن من مساعدته. إن تحديد المشكلة السلوكية -مثلًا- لدى الأطفال يتم من خلال كثرة تكرارها، ومن خلال شدة انحراف سلوك الطفل عن السلوك السوي لنظرائه من الأطفال، ويمثل فهم أسباب المشكلة الجزء الأهم في عملية التثقُّف هذه.

والآن اسمحوا لي أن أتحدث عن أسباب ثلاث من المشكلات التي يعاني منها الأطفال من أجل توضيح هذه القاعدة على أفضل وجه ممكن:

النشاط الزائد

 القواعد العشر أهم القواعد في تربية الأبناء | القاعدة التاسعة (تفهم أسباب مشكلاتهم)

يشكو كثير من الأمهات من أنَّ أولادهن لا يقر لهم قرار، ولا يستطيع الواحد منهم الجلوس في أي مكان سوى ثوان معدودة، كما أن حركته سريعة وغير متزنة، وهو لا يكترث بشيء اسمه إزعاج الآخرين... النشاط الزائد لدى الطفل مقلق جدًا للأمهات، ويمنعهن في أحيان كثيرة من القيام بأي زيارة لقريبة أو صديقة، وأحيانًا يكون مانعًا من استقبال الضيوف!

ما أسباب النشاط الزائد؟

أ- وراثة ذلك عن الآباء والأجداد.

ب- خلل وظيفي في الدماغ يسبّب التحرك الزائد.

ج- ضربات شديدة تعرّض لها رأس الطفل.

د- التسمم من بعض الأغذية التي تناولها.

هـ- الحالة الجسمية والعقلية للأم الحامل ذات تأثير واضح في النشاط الزائد لدى الطفل، حيث إن إصابة الأم بالمرض أثناء الحمل، وتعاطيها للعقاقير، وتعرضها للقلق والتوتر الشديد فتراتٍ طويلة، إن كل ذلك قد يؤدي إلى النشاط الزائد لدى الطفل.

و- مناكفة الأم للطفل، ونقدها الشديد له بأنه كثير الحركة، مما يطيل أمد المشكلة بعكس الأثر الذي يحدثه تجاهل الأهل لذلك، وتكيفهم معه. 

إننا حين نعرف الأمور التي تسبب النشاط الزائد لدى أبنائنا؛ فإن المتوقع هو رحمة الطفل وإعذاره عوضًا عن لومه ومعاقبته.

كذب الأطفال

 القواعد العشر أهم القواعد في تربية الأبناء | القاعدة التاسعة (تفهم أسباب مشكلاتهم)

الكذب -باختصار- أن يقول الإنسان شيئًا يخالف ما يعتقده كما لو قال الطفل: أنا لم أكسر هذا الصحن وهو يعرف أنه هو الذي قام بكسره.

والذي يدفع الناس إلى الكذب في العادة هو محاولة خداع المستمع وتضليله، وكثيرًا ما يكون الدافع إليه هو الرغبة في الحصول على مصلحة أو منفعة يصعب الوصول إليها عن طريق الصدق، كما يكون الدافع الرغبة في التخلص والهروب من ضرر أو مسؤولية.

إن الطفل في مرحلة ما قبل المدرسة يكذب؛ لأنه يجد صعوبة في التفريق بين الحقيقة والخيال، وهو يكذب -أيضًا-؛ لأنه لا يعرف أن ما يقوله الإنسان ينبغي أن يكون مطابقًا للواقع. كثير من الآباء يُبدون انزعاجًا كبيرًا حين يسمعون أولادهم يكذبون وهم لا يعرفون الأسباب العميقة لذلك، ومن هنا؛ فإنهم حتى يتمكنوا من محاصرة هذه الظاهرة لدى أبنائهم لا بد لهم من فهم الأسباب الدافعة إليها، ولعل من تلك الأسباب الآتي:
  • محاولة الحصول على مكسب شخصي: طفل أخذ نصيبه من الحلوى وأكله، ثم جاء إلى أمه يقول: أعطني حصتي؛ فأنا لم آخذ شيئًا.
  • يكذب الطفل -أحيانًا- من أجل حماية بعض أصدقائه، فتجده يقول: فلان لم يضرب فلانًا مع أنه يعرف يقينًا أنه ضربه، وهذا اللون من الكذب يستمر مع كثير من الأطفال مدة طويلة جدًا، قد تتجاوز مرحلة المراهقة.
  • تقليد سلوك الكبار في الأسرة وخارجها؛ لأن الطفل الصغير يظن أن الكبار دائمًا أعرف منه، أو أنهم دائمًا على حق، فإذا كذب الكبير أمام الطفل، فإن الطفل يقوم بتقليده وكأنه يقوم بعمل جيد.
  • الدفاع عن النفس للإفلات من عقوبة متوقعة على عمل سيئ، وهذا كثيرًا ما يحدث، فحين يراق شيء من الحبر على السجاد، ولا يُعرف فاعل ذلك؛ فإن كل من في البيت من الصغار ينكرون القيام بذلك، وينكرون -أيضًا- أنهم يعرفون من فَعَلَ ذلك!
  • يكذب الطفل -أحيانًا- ويختلق الحكايات التي فيها شيء من بطولاته ومغامراته، حتى ينال إعجاب زملائه وأصدقائه.
  • يندفع الطفل إلى الكذب في بعض المواقف كي يوقع الأذى ببعض الأطفال -أي بدافع العدوانية-، وكم رأينا من الأطفال من يلبّس تهمة لطفل آخر حتى ينال العقوبة من شخص ثالث.
  • يكذب الطفل في بعض الأحيان كي يتخلص من بعض الذكريات المؤلمة، فإذا قال له زميله: أتذكر لما سرقت قلم زميلك فلان؟ فيقول: أنا لم أقم بأي شيء من ذلك، إن الطفل يريد أن يطوي صفحة سوداء من تاريخه، فيلجأ إلى الإنكار.
  • إذا أكثر الأبوان أو الزملاء... من وصف الطفل بأنه كذاب، فإن هذه الوصمة تصبح جزءًا من الصورة الذهنية لديه عن نفسه، أي أنه يصبح مقتنعًا تمام الاقتناع بأنه شخص كذاب، فيندفع إلى الكذب من غير شعور منه.
  • من المؤسف أننا نحن الكبار قد ندفع الصغار إلى الكذب، وذلك من خلال سحب ثقتنا منهم، فكثيرًا ما يريد الطفل قول الحقيقة، لكنه يعرف أن أهله لن يُصدِّقوه، فيخترع الكلام الذي يظن أنه يلقى قبولهم.

إن فهمنا للأسباب التي تدفع الطفل إلى قول غير الحقيقة يملي علينا أن نغير في أسلوب تعاملنا معه، كما أنه يحسّن مستوى رؤيتنا لوضعية الطفل، وكيفية توجيهه وتنشئته.

مشاكسات الأشقاء

 القواعد العشر أهم القواعد في تربية الأبناء | القاعدة التاسعة (تفهم أسباب مشكلاتهم)

يعتقد كثير من الآباء والأمهات أنهم قد أخفقوا في بناء أسرة جيدة، وأخفقوا في تربية أبنائهم التربية المطلوبة بسبب النزاعات المستمرة بينهم، والحقيقة: أن المناكفات والمشاكسات بين الأبناء هي شيء طبيعي جدًا، إلا إذا تجاوزت المألوف، فبعض الأشقاء يبلغ بهم سوء التفاهم إلى حد الاقتتال والضرب والإيذاء البدني الخطير... على كل حال؛ فإن من المهم أن يدرك الأبوان أن شيئًا من التنافس بين الأبناء موجود في كل البيوت، لكن الناس لا يتحدثون عن ذلك في العادة، ويتكتمون عليه.

لعل من أهم أسباب التنافس والعداوة بين الأبناء الآتي:
  • الأطفال ولو كانوا أشقاء؛ فإن أمزجتهم وأذواقهم لا تكون متطابقة، كما أن الاحتكاك اليومي والتنافس على بعض الأثاث والألعاب يثير كثيرًا من الخلافات والنزاعات، والقاعدة العامة في هذا هي: أن ما يتطلع الناس إلى اقتنائه هو دائمًا أكثر مما هو متوفر، وما دام الأطفال يشتركون في الانتفاع بالكثير من الأشياء داخل المنزل؛ فإن نشوء شيء من الصراع حولها هو أمر شبه حتمي.
  • يغلي صدر الطفل بالعداوة والحقد ضد أخيه في بعض الأحيان بسبب ما يلمسه من اهتمام أبويه به، وتفضيله على غيره، والحقيقة: أن كثيرًا من الآباء لا ينتبهون إلى دورهم في تأجيج العداوة بين أولادهم، فيندفعون إلى الإشادة بالذكي والمطيع والوسيم منهم.. وهذه مسألة تاريخية قديمة؛ فهؤلاء إخوة يوسف يقولون: إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ {8} اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ [يوسف: 8-9].

إن الأطفال يتسابقون إلى الاستحواذ على محبة أبويهم لهم، فإذا شعروا أن واحدًا منهم فاز بذلك دونهم أضمروا له العداوة والكراهية، وهذا ما ينبغي الانتباه إليه أشد الانتباه.
  • يتضايق الطفل من أمه وأبيه في بعض الأحيان لسببٍ ما، وهو لا يستطيع إظهار ذلك، فما يكون منه إلا أن يحوّل ذلك الضيق إلى أخيه الصغير، فيحاول إزعاجه وإيذاءه ومضايقته، وهذا لا يكاد يخلو منه بيت من البيوت.
  • بعض الأطفال يحاولون إيذاء إخوتهم الصغار إذا شعروا أن آباءهم وأمهاتهم متضايقون منهم، فالبنت من باب وفائها لأمها وتعبيرها عن حبها لها، قد تضرب أختها الصغيرة إذا أحسّت بعدم رضا والدتها عن تلك الصغيرة.
  • مقارنة الأهل للأبناء بعضهم ببعض على نحو سلبي توغر صدر من تضرر بالمقارنة: قالت الأم لإحدى بناتها: إنك غير منظمة، ولا تهتمين بنظافتك الشخصية، وأود أن تتعلمي من أختك فلانة ما الذي عليك أن تفعليه... إن هذا سيجعل صدر البنت المتّهمة بالفوضى يغلي بالحقد على أختها الأخرى، والسبب هو الأم التي قارنت بينهما على ذلك النحو. في بعض الأحيان يكون لدى الأسرة ابن موهوب جدًا، وهو ينتقل من إنجاز إلى إنجاز، ومع كل إنجاز يخطف المزيد من الأضواء، والمزيد من اهتمام الأهل، مما يجعل باقي إخوته يعيشون في ظلاله مع شعور مسيطر بإهمال أهلهم لهم، وهذا يدفعهم إلى التهوين من شأن أخيهم في كل مناسبة من المناسبات، وربما حاكوا المؤامرات ضده.
  • في بعض الأسر يُمنح الأخ الأكبر سلطات واسعة للتحكم بإخوانه الصغار، ويُمنح الذكور سلطات واسعة للتحكم بالإناث، فهم حماة العرض والشرف، وهذا يولّد الكثير من العداوات بين الأبناء، وحين يتلقّى الأخ الأوسط الإهانة والإساءة من أخيه الكبير؛ فإنه كثيرًا ما ينتقم لنفسه من أخيه الأصغر... والأبوان هما المسؤولان عن كل ذلك.

أردت من وراء ذكر هذه النماذج في فهم أسباب المشكلات التي يعاني منها الصغار أن أنبه الأذهان إلى ضرورة إدراك جذور الأزمات والصعوبات والانحرافات التي يعاني منها الأبناء، وهذا الإدراك يحتاج إلى شيئين:

المزيد من الاهتمام، والمزيد من المعرفة التربوية؛ والله المستعان.

=====================



من كتاب: القواعد العشر "أهم القواعد في تربية الأبناء" أ.د.عبدالكريم بكّار.

لتحميل تطبيق القواعد العشر "أهم القواعد في تربية الأبناء" بشكل كامل على هواتف الاندرويد إضغط هنا: https://goo.gl/GGK2YC

هل اعجبك الموضوع :

تعليقات