القائمة الرئيسية

الصفحات

القواعد العشر أهم القواعد في تربية الأبناء | القاعدة العاشرة (لا تربية من غير تأديب)

القاعدة العاشرة (لا تربية من غير تأديب)

 القواعد العشر أهم القواعد في تربية الأبناء | القاعدة العاشرة (لا تربية من غير تأديب)



نحن نعرف أن طبائع الأطفال ليست واحدة، ففيهم المسالم المطواع الهادئ، وفيهم المشاغب المشاكس العنيد، ومن هنا؛ فإن احتياجهم إلى التأديب والصرامة في التربية ليس على درجة واحدة، لكنهم جميعًا في حاجة إلى الشعور بوجود سلطة تسدد وتقوّم وترشّد، وتحول دون قيام الطفل بأشياء غير ملائمة، أو تنطوي على نوع من الأذى لنفسه أو لغيره.

الطفل لا يملك معايير الصواب والخطأ، ولا يعرف اللائق والمناسب من غير اللائق وغير المناسب، وجهازه الأخلاقي غير مكتمل، كما أن قدرته على حجز نفسه عن الوقوع في الأشياء الخاطئة ضئيلة ومحدودة، ولهذا كله؛ فإنه لا بد من ممارسة المنع والحظر والعقوبة والحرمان من بعض الميزات، حتى ينشأ النشأة الصالحة المُرضية.

الأطفال من جهتهم يعرفون أنهم ليسوا دائمًا على حق، ولهذا فإنهم يتقبلون العقوبة إذا توفرت فيها بعض الشروط والمواصفات، وهذه بعض المفاهيم والملاحظات في قضية التأديب:

التأديب جهد تكميلي

 القواعد العشر أهم القواعد في تربية الأبناء | القاعدة العاشرة (لا تربية من غير تأديب)

هذه قضية مهمة للغاية حيث إن الذي يساعد على بناء شخصية الطفل على نحو جيد، هو تلك المبادرات العاطفية التي يلمسها الطفل من أبويه، وتلك الإرشادات التعليمية والتوجيهية التي يسمعها منهما. الطفل من خلال اقتدائه بأبوين محترمين، ومن خلال عيشه في أسرة كريمة يتعلم كل الفضائل التي ينبغي أن يتعلمها، وإن لم يستطع الالتزام بما يعرف بوضوح أن عليه الالتزام به. العقوبات لا تنشئ طفلًا، ولا دولة، ولا مجتمعًا، لكنها تحمي الطفل والدولة والمجتمع، وما ينبغي أن يستغرقه جهدُ التأديب محدود جدًّا بالنسبة للجهد الذي ينبغي أن يُبذل في تكوين عقلية الطفل ونفسيته. بعض الآباء يفعلون الشيء المعاكس؛ فهم يلوذون بالصمت، ويتعاملون مع الأبناء بتجاهل شبه تام، حتى إذا وقع الطفل في خطأ كبير ثاروا وهاجوا، وأنزلوا به أشد العقوبات، لكنهم يكتشفون بعد حين أن عقوباتهم لم تؤدِّ - مع الأسف - إلى أي نتيجة!

القاعدة العامة في هذا هي: المزيد من الجهد التربوي الإيجابي سوف يقلل من الحاجة إلى التأديب، والعكس صحيح.

التخطيط للتأديب

 القواعد العشر أهم القواعد في تربية الأبناء | القاعدة العاشرة (لا تربية من غير تأديب)

يحتاج تأديب الأطفال إلى تخطيط وإلى رؤية حتى يكون فعّالًا ومجديًا، وأعتقد أن البداية في هذا تكون باتفاق الأبوين على بعض أشكال العقوبات التي يمكن اتباعها في تأديب الأولاد؛ لأن اختلاف الأبوين قد يفسد العملية كلها، ولا شك في أن الأبوين من خلال مذاكرتهما المستمرة في شؤون الأبناء تتجمع لديهما بعض الملاحظات على سلوكهم، وعليهما أن يتذاكرا في أسلوب معالجتها، وأعتقد أن على الأبوين أيضًا أن يتذاكرا في نوعية ردود فعل الأبناء على العقوبات التي قرروا استخدامها حتى يتصرفا تجاهها بحكمة وشجاعة.

التخطيط يتطلب كذلك اجتماعات مع الأبناء لتوضيح ما هو مطلوب منهم في حركتهم اليومية داخل المنزل وخارجه، وللتحدث في واجباتهم ومسؤولياتهم الأخلاقية والدراسية، وينبغي أن يتم اتفاق معهم على الجزاء الذي يلقاه من يخالف ما هو متفق عليه، إحدى الأمهات اتفقت مع ابنتها البالغة من العمر إحدى عشر سنة على أنها إذا لم تنظف الأطباق التي تقوم بغسلها؛ فإن عليها أن تذهب إلى الفراش قبل الموعد المحدد بعشر دقائق، فإذا عادت إلى ذلك؛ كان عليها أن تذهب قبل عشرين دقيقة، وهكذا... إذا لم يتفق الأبوان مع بعضهما أولًا ومع أولادهما ثانيًا على بعض المسائل المتعلقة بالتأديب والعقوبة؛ فإنهما سيشعران أنهما في حالة طوارئ مستمرة، وفي ارتباك دائم.

تأديب حازم من غير قسوة ولا إهانة

 القواعد العشر أهم القواعد في تربية الأبناء | القاعدة العاشرة (لا تربية من غير تأديب)

التأديب الصحيح هو التأديب الذي يحمل رسالة واضحة بالخطأ الذي ارتكبه الطفل، وبضرورة عدم تكراره في المستقبل، وهذا يعني أن التأديب ينبغي أن يتم -على قدر الإمكان- في إطار العلاقة الحسنة بين الأبوين والصغار؛ لأن العلاقة الدافئة هي الحبل السري الذي يتغذى منه الطفل، وينبغي المحافظة عليها بكل وسيلة، واستهداف العودة إليها عقب كل تأديب وكل عقوبة.

الحزم في التربية يعني أننا إذا قلنا كلمة نفذناها، فإذا قال الأب: إن ترك أنوار الغرفة مضاءة بعد مغادرتها يترتب عليه خصم مصروف يوم، فإن عليه أن يطبّق ذلك، وعليه أن لا يمنح الولد فرصة ثانية؛ لأنه نسي، أو لأنه كان مستعجلًا...

إن التطبيق الحرفي للعقوبة ودون تسويف يجعل الأطفال يتنبأون بنتائج أعمالهم، وهذا التنبؤ هو الذي يردعهم عن ارتكاب الخطأ، وهو نفسه الذي يجعلهم يتقبلون العقوبات المقررة.

إن تطبيق النظام والعقوبات ينبغي أن يتم بأسلوب عملي وصامت وجاد من غير صياح، ولا تهديد، ولا تحذير، ولا مقدمات. في أحد البيوت لاحظ الأبوان أن الأولاد يسرفون في الجلوس أمام التلفاز، فقاما بتحذير الأبناء من ذلك، وقالا:

إذا جلستم أكثر من ساعة في اليوم أمام التلفاز، فسيكون من حقنا حرمانكم منه مدة طويلة، ولم يحمل الأبناء هذا التحذير على محمل الجد؛ لأنهم ظنوا أن أبويهم لن يستغنيا عن التلفاز، وبعد ثلاثة أيام من ذلك التحذير جاء الأطفال من المدرسة، ولم يجدوا التلفاز، ولكن وجدوا أن أباهم قرر وضعه في المستودع مدة ثلاثة أشهر، ولم يقبل بأي مراجعة في ذلك، وبعد انقضاء المدة أعاده إليهم قائلًا: إذا تم تجاوز المدة المسموح بها لمشاهدة التلفاز، فإنه سيخرج من بيتنا على نحو نهائي، والطريف أن الأطفال بعد ذلك صاروا يحاسبون أنفسهم على الدقيقة الواحدة، حتى لا يقع المحذور!

لكن لا بد لنا معاشر المربين من أن نفرق بين الحزم والقسوة والإهانة.

إن التأديب الحازم يعني أنه منطقي، وحكيم، ومنصف، وبعيد عن الإفراط، إن الأب الذي يحرم ابنه من مصروف شهر كامل، قاسٍ في عقوبته، وإن الأم التي تُلزم ابنتها بتنظيف البيت أسبوعًا كاملًا؛ لأنها لفظت بكلمة نابية هي -أيضًا- قاسية، وإن الأب الذي يصفع ولده يكون قاسيًا؛ لأن في الضرب على الوجه إهانة، وهو منهي عنه أيضًا، ولا يصح اللجوء إلي أي ضرب أساسًا إلا إذا كان الطفل أو الفتى يقوم بعمل يعرِّض حياته للخطر، ولم ينفع معه إلا الضرب.

الشتم والوصف بالغباء والنذالة والخسة.. كذلك من الألفاظ التي تنطوي على الإهانة، والنطق بها خطأ، ولا يُعدُّ من الأساليب التربوية الناجعة.

لا بد من التزام الأطفال بحد أدنى من التهذيب

 القواعد العشر أهم القواعد في تربية الأبناء | القاعدة العاشرة (لا تربية من غير تأديب)

يجب أن يعرف الأبناء أن هناك عتبة للأدب، لا يصح الهبوط عنها، وهناك حد أدنى للتهذيب لا يصح تجاهله مهما كانت ظروف الولد، ومهما كان مزاجه سيئًا أو معكرًا، حيث لا يمكن إطلاقًا قبول عذر الولد إذا دخل على أبويه ولم يلق عليهما السلام، ولا يصح أن يخرج أيضًا قبل أن يسلِّم عليهما ويستأذنهما بالخروج، ولا يصح أبدًا للطفل أن يرفع صوته على أبويه، أو أن يمضي غاضبًا، وأبوه يتحدث معه، كما لا يجوز له أن يُبدي أي ملاحظة على أبويه بأسلوب غير مهذب وغير لائق...

إن من المهم أن نوضِّح للصغار هذه الأمور، ونؤكد عليها؛ لأننا نريد من الطفل أن يتعلم كيف يحترم الكبار، وكيف يضغط على نفسه، ويضبط عواطفه وانفعالاته.

تحمل النتائج المنطقية

 القواعد العشر أهم القواعد في تربية الأبناء | القاعدة العاشرة (لا تربية من غير تأديب)

من المهم أن نجعل الأطفال يوقنون أنهم حين يسلكون سلوكًا معينًا؛ فإن عليهم أن يتحملوا النتائج المنطقية التي تترتب عليه؛ لأن هذا سيجعلهم يحاسبون أنفسهم بأنفسهم، في إحدى المرات وضعت الأم الطعام على المائدة، ونادت الأطفال لتناول طعام الغداء، وقالت: إذا قمنا عن الغداء؛ فلن يكون هناك طعام حتى العشاء، وتأخر أحد الأبناء بسبب مكالمة هاتفية مع أحد أصدقائه، وانتهت الأسرة من تناول الغداء، ورفعت الأم المائدة، وكانت عبارة عن صحون فارغة، وبعد أن انتهى الولد من مكالمته اندفع إلى الثلاجة؛ فلم يجد شيئًا يأكله، ووجد أن عليه أن يظل من دون طعام إلى ما بعد المغرب، يقول الولد بعد ذلك بسنوات: وقد أخذت درسًا بليغًا، وصرت أحذر أشد الحذر من التأخر في الجلوس على المائدة.

أحد الأبناء الصغار كان يدرس في إحدى رياض الأطفال، وكان يكره الذهاب إلى الروضة، وفي أحد الأيام رفض ارتداء ثيابه حتى لا يذهب مع أبيه، فما كان من الأب إلا أن وضع ثياب الطفل في كيس، وأخذ بيده وأركبه بالسيارة، وليس عليه سوى ثيابه الداخلية، وحين وصل إلى الروضة: وجد الطفل أنه ليس أمامه سوى ارتداء الملابس، والنزول من السيارة، وبذلك انتهت مشكلة الزعل اليومي، والتمنع من الخروج إلى الروضة على نحو نهائي.

لكل مرحلة عمرية تأديب يناسبها

 القواعد العشر أهم القواعد في تربية الأبناء | القاعدة العاشرة (لا تربية من غير تأديب)

حين يكون الطفل في الثالثة؛ فإنك لا تستطيع عقد اتفاقية معه حول السلوك الذي ينبغي عليه أن يسلكه؛ لأنه لا يعقل ما يقال له، ولا يهتم به ومن هنا؛ فإن العبوس في وجهه حين يقع في عمل خاطئ، أو حين يريد الإقدام عليه قد يوصل رسالة أو معنى إليه، وأحيانًا يخطئ الصغير ويسرع ليلقي بنفسه في حِجْر أمه، فتعرض عنه، وتمنعه من ذلك؛ فيفهم الطفل أن أمه لا ترحب به. إن الطفل الصغير يشعر بالحاجة المستمرة للدعم والمساندة والعطف من أمه -على نحو أخص-، وإن حجب ذلك عنه يشكّل وسيلة تأديبية رادعة.

أما ابن الثالثة عشرة؛ فإن له شأنًا مختلفًا، فهو يشعر بالكثير من الاستقلالية والاستغناء عن أبويه، ومن ثم؛ فإن حجب التعاطف عنه لا يؤثر فيه، بل يولّد لديه بعض الأفكار والانطباعات السيئة عن أسرته، ومن هنا؛ فإن منعه من ممارسة بعض الأشياء التي يحبها، يؤثر فيه أكثر. هذا فتى مراهق ضرب أخته الصغرى أكثر من مرة، ونبهه أبوه على ضرورة الكف عن ذلك لكن دون جدوى، فما كان من أبيه إلا أن منعه من استخدام هاتف المنزل والاتصال برفاقه مدة عشرين يومًا، وخلال تلك المدة شعر الفتى بالكثير من الضيق، وحاول مع والدته تخفيف المدة، لكنه وجدها أكثر صلابة من أبيه، ولم يسمح له أبوه بعد ذلك باستخدام الهاتف إلا بعد أن كتب تعهدًا بأن لا يمد يده على أي واحد من إخوته.

عقوبة محددة

 القواعد العشر أهم القواعد في تربية الأبناء | القاعدة العاشرة (لا تربية من غير تأديب)

أنا أنظر إلى العقوبة في سياق التربية على أنها أشبه بـ(تحويلة) نخرج فيها عن الطريق لنعود إليه بعد انتهائها، وكلما كانت التحويلة أقصر وأوضح كان ذلك أفضل. العقوبات التي يوقعها المربي تعكر جو العلاقة بينه وبين الطفل، ولهذا ينبغي أن تكون واضحة ومحددة.

بعض الآباء لا يعرف هذا المعنى، ولا يعرف - أيضًا - كيف يعاقب المخطئ، ويستعيض عن ذلك بالتوبيخ المستمر، والمعاتبة الدائمة، ولا يكاد ينتهي من تأنيب الطفل على خطأ وقع فيه حتى يَصْدر منه خطأ آخر، فيجدد الأب - ومثله طبعًا الأم - حملة التوبيخ، وهكذا يظل الجو الأسري مسمّمًا ومكتئبًا... لا للعقوبات المبهمة، ولا للتأنيب المتواصل، ولا للمحاسبة على كل صغيرة وكبيرة، ولا لفتح الدفاتر القديمة من أجل إغاظة الطفل، وكسر شوكته؛ فهذا كله يضر ولا ينفع.

لا للضرب

 القواعد العشر أهم القواعد في تربية الأبناء | القاعدة العاشرة (لا تربية من غير تأديب)

علينا أن ننظر إلى الضرب في مسألة التأديب على أنه الشيء الذي لا يصح أن نفكر فيه، لا من بعيد ولا من قريب، وعلينا كذلك أن ننظر إلى الحاجة إليه على أنها بمثابة اختبار لنا، فإذا وجدنا أنفسنا مستغنين عنه كنا ناجحين في تربيتنا، وإذا وجدنا أنفسنا محتاجين إليه بوصفه الحلَّ الوحيد كان علينا أن نراجع أساليبنا التربوية؛ لأنها تنطوي حينئذ على خللٍ ما.

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أستاذ المربين، وقدوة المعلمين، وما عُرِف عنه أنه ضرب صغيرًا أو كبيرًا إلا أن يجاهد في سبيل الله، وقد روى مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: «ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادمًا ولا امرأة قط».

بعض المربين ذكر أن الطفل لا يُضرب قبل العاشرة، وبعضهم قال: لا يضرب قبل الثالثة عشرة، وذلك لأن الطفل الصغير لا يعقل الرسالة التي نوجهها له من خلال الضرب، وعلى كل حال؛ فإن على المربي أن لا يلجأ إلى أي عقوبة وهو غاضب؛ لأن العقوبة لن تكون حينئذ مدروسة ولا متزنة، وإذا كان الضرب كله شيئًا ينبغي الابتعاد عنه؛ فإن الضرب على الوجه، وأمام الناس، والضرب المؤلم جدًا، إن كل ذلك ينبغي الحذر منه أشد الحذر. إن الدول قد توقفت عن التعذيب والضرب في السجون لما ينطوي عليه من الإهانة والإضرار بإنسانية الإنسان، وإن علينا أن نتوقف عنه أيضًا في بيوتنا من باب أولى.

هذا ما أحببت أن أذكره في هذه القواعد العشر، وأعتقد أن كل قاعدة من هذه القواعد تحتمل المزيد من القول والتفصيل، لكن حرصي على أن يظل حجم هذه الرسالة صغيرًا، جعلني أمسك عن كتابة الكثير من ذلك.

والله أسأل أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه، وأن ينفع به إخواني الآباء وأخواتي الأمهات، إنه سميع مجيب.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

=====================



من كتاب: القواعد العشر "أهم القواعد في تربية الأبناء" أ.د.عبدالكريم بكّار.

لتحميل تطبيق القواعد العشر "أهم القواعد في تربية الأبناء" بشكل كامل على هواتف الاندرويد إضغط هنا: https://goo.gl/GGK2YC



هل اعجبك الموضوع :

تعليقات